التخطي إلى المحتوى
طه حسين ..الذي تاب..فتاب الله عليه.. بقلم د. أحمد عبد العظيم
طه-حسين

عوامل جذب شتى، واهنمامات مشتركة جمعت بينهما، لعل أهمها كان تدريسهما لمادة اللغة العربية للمرحلة الثانوية، ورغم كل ذلك التآلف تجدهما يتنافران أشد التنافر ،ويختصمان ألد الخصومة في كل ما يتصل بطه حسين، ما أن يكيل أحدهما له المدح حتى يهيل صاحبه عليه التراب. حتى جاء اليوم الذي ألقى فيه أحد الصاحبين_وإن شئت فقل الخصمين_قنبلته على الملأ: كيف تقرأ لطه حسين وهو القائل: “أعطوني قلما أحمر لأصحح أخطاء القرآن”
حينها كان الصمت سيد المكان، وبدأ الجميع كأن على رءوسهم الطير عدا صاحبنا المنافح عن طه حسين فقد بدا رابط الجأش وهو يقول : لو كلفت نفسك بعض العناء ،وقرأت للرجل لعرفت أنها زلة شباب تاب عنها آخر أيامه وندم عليها أشد الندم.
وفور العبارة الأخيرة انقلب السحر على الساحر ومني الخصم بهزيمة منكرة استسلم على أثرها مع وعد_على مضض_ ألا يحكم على الرجل حتى يقرأ له .
انتهى أمرهما على ذلك ،لكن الأمر بالنسبة إلي لم يكن كذلك
فحقيقة الأمر أن طه حسين لم يتب عن تلك المقولة، ولا عن مقولة : “لو كنت مبصرا لوجدت في القرآن عيوبا ”
إذ كيف يتوب المرء عن مقولة لم يقلها ؟! وكيف لعاقل أن يقول مثل هذا القول فضلا عن أن يكون بقيمة وقامة العميد؟ ولماذا لم يمنحه خصومه وقتها قلما أحمر ليقيموا عليه الحجة؟ الحقيقة أن كلا الرجلين لم يقرأ لطه حرفا فضلا عن أن يسبرا غوره أو يفهما مقصده .
إني أتفهم السطحية التي تعالج بها قضية طه حسين حبا أو بغضا _فقط_إذا ظلت حبيسة بعض أروقة مواقع التواصل الاجتماعي المزيفة ، تلك التي تقدم وجبات نقاش أدبية جلها هواء لا يسمن ولا يغني من جوع، لكن الأمر قد جاوز الحد ،وتسرب ذلك الهواء الفاسد
إلى مدارس التعليم الثانوي،
تلك المعنية بوضع أبنائنا على أولى درجات دراسة الأدب ونقده، فإذا ببعض ذويها يهوون بهم في دركات الأدلجة الدينية والتصنيفات المذهبية .
لقد كنت قبيل هذه الصدمة أعتقد أن الخلاف حول طه حسين هو امتداد للخلاف القديم ،لكني أدركت الآن أن الهوة بينهما سحيقة والحبل بينهما مقطوع .
لك يا مناوئ اليوم أن تقول إن لطه حسين طواما في كتابه “في الشعر الجاهلي” كتكذيبه قصة إبراهيم وإسماعيل ،رغم ورودهما في القرآن والتوراة.
قل إن كتابه هذا معول هدم لثقافتنا العربية والإسلامية، لكنك مهما قلت ،فلن تزيد خردلة عما قاله مناوئوه آنذاك.
و لك يا منافح اليوم أن تقول إنه رائد التجديد في العصر الحديث ،وأول من أدخل الشك كمنهج في بحوث الأدب، أو أن سيرته الذاتية “الأيام” كتاب لا غنى عنه في الغرب لكل مهتم ومتذوق لآداب العرب، لك أيضا أن ترد عنه اتهامه بالانتقاص من كتاب الله بحديثه الرائع والماتع أيضا في “مرآة الإسلام” عن إعحاز القرآن ، ذلك الحديث الذي لو حذفت منه اسم طه ثم نسبته إلى الرافعي لقال بعض محبيه : ومن يجل القرآن ويكتب عنه حديثا كهذا إن لم يكن الرافعي ؟
ولا غرو فروح الرافعي تحلق حول كل معنى من معاني ذلك الحديث، لكن وحدهم_ قراء طه حسين_ يسمعون رنة صوته، يميزون حسن تقسيمه، ويشعرون بأنفاسه الحرى بين طيات ما يكتب دون أن يذيله بتوقيعه،لك أن تنصره بكل أو ببعض ذلك رغم أنه قد قيل منذ أكثر من قرن ،وسطرت في مزاياه آلاف الصفحات ،وناقشته مئات الرسائل الأكاديمية في مصر والعالم العربي.
لكما كل ما تريدان ،وفوق ما تريدان إلا أن تحصرا الرجل بين إسلام وكفر ،وإيمان وإلحاد من أجل مقولة لم يقلها.
واخيرا ربما يقول قائل :إن هذا التصنيف ليس وليد اليوم ،وإنما هو صدى لمعركة الأمس. وأقول:شتان بين معركة الأمس ومعركة اليوم؛ فخصوم الأمس كانت كل مشكلتهم في رأيي أنهم قرؤوا لطه حسين دون أن يقرؤوه،أما اليوم بمناوئيه ومؤيديه أوعلى الأقل تلك الشريحة التي تصادمت معها وصدمت بها _فهم أبعد ما يكون عن قراءته فضلا عن القراءة له. وعلى سبيل الاختصار فمعركة الأمس كان قوامها اختلاف الرؤية أما معركة اليوم فقوامها…انعدام الرؤية.

قد يهمك أيضا

  الزَّمكانيّة في رواية ” الأيام” للدكتور طه حسين دراسة د. خلف محمد كمال

دعاء الكروان…بين الرواية والسينما بقلم ابتسام الدمشاوي.

التعليقات

اترك تعليقاً