فيلم  حب لا أنساه.. بقلم مصطفي نصر

مر سعد في شارع شكور-  الذي يبدأ من شارع السلطان حسين وينتهي في آخر شارع سعد زغلول من ناحية محطة الرمل، شاهد سعد أفيش فيلم حب لآ أنساه في سينما بارك، يعرف سعد أن الأفلام التي ينتهي عرضها في سينما بارك، تعرض بعد ذلك في سينما الجمهورية القريبة من بيته، كان سعد لا ينتظر حتى يأتي الفيلم لسينما الجمهورية، وإنما يسرع لمشاهدته في سينما بارك التي قيمة تذكرتها بثلاثة قروش كاملة، بينما تذكرة سينما الجمهورية بتسعة مليمات.

لكن فيلم حب لا أنساه يعرض، من سوء حظ سعد ، قرب وقت امتحاناته، فهو يقضي أوقاته، طوال العام الدراسي في الشوارع مع أصدقائه – فكلهم تركوا المدارس ويعملوا  في الشركات الكثيرة حول حيهم، وقبل الامتحانات بشهور قليلة، يتفرغ سعد تماما للمذاكرة ويبتعد عن السينمات لينجح. الحمد لله فسينما ستعرض سينما الجمهورية فيلم حب لا أنساه بعد إنتهاء امتحاناته وسعد يعرف مخرجي السينما، يتابع تاريخهم منذ أن بدأوا، يتعامل مع الأفلام من خلال المخرجين، لكن معظم أصدقائه يتعاملون مع الأفلام طبقا للممثلين والممثلات الذين يمثلون فيها.

يعرف هو، سعد عرفة مخرج الفيلم، شاهد  له من قبل فيلم لقاء في الغروب المأخوذ عن رواية جنون الحب لستيفان زفايج – كان سعد قد قرأ ملخص الرواية في سلسلة كتابي لحلمي مراد. رواية تتحدث عن الولد الذي يتابع علاقة أمه بعشيقها. وشاهد سعد، لسعد عرفة أيضا فيلم مع الذكريات لأحمد مظهر ونادية لطفي، ولأول مرة يجد مريم       فخر الدين تقوم بدور شريرة وخائنة، فقد تعود الجمهور على براءتها وطيبتها، صديق لسعد ما أن يقرأ إسم فخر الدين على أفيش الفيلم – أي فيلم – حتى يصيح في ضيق: لابد أن تبكي مريم فخر الدين في كل أفلامها. قدم سعد عرفة مريم فخر الدين في فيلم مع الذكريات في دور جديد عليها، فقد خدعت في الفيلم  أحمد مظهر، ضحكت عليه، خانته مع ممثل غير مشهور هو أحمد لوكسر، ولأول مرة تكون لأحد لوكسر مساحة كبيرة في فيلم من الأفلام، فهو يمثل دائما دور وكيل النيابة.

الظاهر أن هناك قرابة أو مصاهرة بينه وبين المخرج سعد عرفة. وإتضح أن أحمد لوكسر أخو زوجة سعد عرفة التي كانت بريئة وطيبة في فيلم مع الذكريات هي نادية لطفي.لا يعرف سعد، تاريخ سعد عرفة، لكنه يحس بشاعريته من خلال أفلامه ، فهو يختار موضوعات غاية في الرقة. وينقل الأحاسيس وكأنه شاعر يمسك بكاميرة سينما. عندما شاهد سعد فيلم حب لا أنساه كان وحده في سينما الجمهورية، لم يتوقع أن يؤثر فيهَ بهذا الشكل، فقد بكى وهو يشاهده. الفيلم قصة وحوار أمين يوسف غراب.

شاهد سعد، أمين يوسف غراب كثيرا في قصر ثقافة الحرية، كان محمد غنيم – مدير الثقافة وإبن بلدته –  دمنهور – يستضيفه كثيرا ليناقش أعمال أعضاء نادي القصة، وحكى محمد غنيم عنه، قال إنه لم يدخل مدارس، علم نفسه بنفسه،  وهو كاتب موهوب فرض على قرائه مزاجه وإهتماماته، عالم خاص به، ففي فيلم رنة الخلخال:

المسن الذي يتزوج فتاة صغيرة، فتعشق إبنه الشاب، أو فيلمه العجيب نساء محرمات الذي كتب قصته وحواره وأخرجه محمود ذو الفقار – إذ يقيم الشاب صلاح ذو الفقار علاقة آثمة مع هدى سلطان –  زوجة – حسين رياض – الرجل الذي رباه والذي أسكنه في بيته ويعمل بشركته، ثم يقيم صلاح ذو الفقار علاقة مع إبنة عشيقته من رجل آخر- غير زوجها الحالي – ويمر المخرج صلاح أبو سيف بعلاقة مثيرة وهو يدرس السينما في باريس في فرنسا، فتطارده التجربة وتلح عليه لكي يعبر عنها سينمائيا.

فيعبر صلاح أبو سيف عن الفارق الثقافي بين الشاب المصري الذي يدرس السينما في فرنسا، وإمرأة أغنى منه وأكبر منه سنا، فأختار أمين يوسف غراب ليعبر له عن هذا الموقف، فصنعوا معا فيلم شباب إمرأة – الفارق الثقافي بين ريفي فقير يعبر عنه شكري سرحان وإمرأة مسنة شبقة للجنس تعبر عنها تحية كاريوكا. في فيلم سعد عرفة حب لا أنساه، آمال –  نادية لطفي – تحب حسين فهمي ( إسم بطل الفيلم ) ، بينما والدها القوي والغني يريد لها زوحا آخر، فيتفق مع بلطجي لكي يقتل حبيب إبنته.

تعيش آمال أوقاتا وأياما غاية في التعاسة حزنا على موت حبيبها حسين  فهمي – وتقضي شهورا في مصحة نفسية، لكن والدها القوي والغني جدا يموت تاركا لها ثروة  كبيرة جدا. فتتفق مع – عماد حمدي – الدكتور شريف، الأستاذ في كلية الفنون الجميلة لكي يصمم فيلتها الجديدة.

فيدعوها لزيارة معرض رسوم لطلبة كليته، فترى لوحة لحبيبها حسين الذي قُتل بسببها. وتتقابل مع راسم هذه اللوحة. تفاجيء بإنه نفس شكل حبيبها حسين، فتعرف إنه عادل فهمي أخو حبيبها الصغير. فيتعلق قلبها به رغم فارق السن  الكبير بينهما. قام بدور الأخين الممثل جلال عيسى.عندما شاهد سعد الفيلم كان في السادسة عشر من عمره، أمه ماتت منذ ثماني سنوات تقريبا. وتزوج أبوه بعد موتها بأقل من عام، جلبوا له من الصعيد. فتاة عذراء – تصغره بسنوات كثيرة – عاش سعد حياة غاية في القسوة والتعاسة فمشاكل أبوه مع زوجته لا تنتهي، كان يغارعليها بشكل مرضي.

وسعد  وأخوته يدفعوا الثمن في وجودها وفي غيابها أيضا، فكثيرا ما كانت تغضب وتسافر لأهلها في الصعيد، فيشعل أبوه النار في كل مكان حولهم، لا يطيق أن تبتعد عنه. يعيش سعد في شقة مشتركة، يشاركهم فيها ثلاث عائلات. وهو بلا أم تحميه من النساء الراغبات فيه. وأبوه لا يطيق وجوده في البيت، فقد كبر، وجسده يعطيه سنا أكبر من سنه، إذا عاد والده من عمله ووجده  مازال مضطجعا على كنبته يقرأ، يصيح فيه غاضبا: طوال الوقت في البيت، لا تجد مكانا تذهب إليه؟! وكلما رآه يصيح به: مش كبرت، ما تفارقني.

وهو  لا يجد مكانا يذهب إليه، ووصل  الأمر بأبيه لأن يمتنع عن فتح الباب له عندما يعود في المساء، يصحو الجيران ويطلون من شرفاتهم ونوافذهم وهو واقف على باب الشارع يدقه بالساعات. وبعد وقت طويل جدا يفتح الباب له وهو يسب ويلعن. من شدة ضيق سعد بحياته تناول مجموعة من البرشام ليموت، ولشدة تعاسته  لم يمت، عندما صحا من نومه وجد طفحا على كل جسمه، ومتاعب في معدته، وقتها ولدت زوجة أبيه.

وكالعادة أتت نسوة العائلة لمساعدتها، وجاءت رقية، إمرأة جميلة، ذات عينين سود واسعتين، وجسد رائع.  هي تعرفه منذ أن كان طفلا صغيرا، لكنها لم تره منذ سنوات طويلة، أول مرة تراه  وقد دخل عالم الشباب، فتابعته بإهتمام كبير، وإلتصقت به. الكل منشغل بالغسيل ومساعدة الوالدة التي تنام في حجرة بعيدة، فجاءته هي وهي ترفع طرف ثوبها، قائلة:

تعال ذاكر مع إبني- إبنها يصغره بأقل من عامين – عندما شاهد سعد فيلم حب لا أنساه في سينما الجمهورية، كان منغمسا في حب هذه المرأة، يعود من مدرسته فيجد إبنها في إنتظاره قائلا:

أمي تنتظرنا على موقف الأتوبيس. فيترك كتبه ويذهب إليها، يركبوا الأوتوبيس معا، ويذهبوا لشراء الأشياء، حياة جديدة يعيشها سعد، لقد جاءت إليه لتعيده للحياة، لن يفكر في الإنتحار ثانية، فقد وجد أخيرا من يهتم به ويقدره.عندما يذهب لبيتها، تكون هي جالسة – كعادتها – على الأرض – وزوجها وإبنه يجلسان على الكنبة، والأطفال حولهما، فتهب بسعادة عندما تراه، فتجعل الكل يقف مرحبا به. إنه يخاف الإقتراب منها، ويخاف من  أن تغضب لعدم إستجابته لما تريد، لا، فقد أعطته ما يجعله باقىا حيا. أحيانا تأتيه إبنتها الصغيرة قائلة: أمي تريدك.

فيذهب إليها، تقول له: نمت بالنهار فحلمت بك، فقلقت عليك. كثيرا ما يجدها في الشقة وحدها، تقفز على مراتب السرير العالية لتغطيها فتكشف عن ساقيها، تحكي له عن الصعيد الذي جاءت منه، خطبها زوجها وهي طفلة تلعب مع الأطفال- هذا كان الحال في الصعيد وقتها – وعندما جاء بها إلى الإسكندرىة، كانت تلعب مع أطفال البيت على السلم، فيضربها. ينقطع التيار الكهربائي فجأة، فيضع سعد شمعة فوق بقايا لعبة أطفال قديمة، يتخذها فانوسا ويردد:

الصلاة عليه، الصلاة عليه- كما يفعلون في سبوع المولود، ويرد أطفالها عليه، فترد هي معهم سعيدة ومنتشية. ما الذي حدث، هل هذه مراهقة متأخرة، فزواجها وهي طفلة، فوت عليها أن تمر بفترة المراهقة، فتعيشها معه الآن. ربما. حتما أحس زوجها بإهتمامها الزائد والمثير به، الرجل الطيب ظن هذا لكي تزوجه إبنتها، لكن إبنتها مازالت صغيرة. من يظن أن إمرأة في جمالها ومكانتها تحب شابا في مقتبل العمر مثله.عينا نادية لطفي الواسعة الجميلة تطارده، وحبيبته أيضا،  لها عينان سوداوان واسعتان، ووجه مستدير، وأنوثة طاغية، تنظر إلىه بعينيها نظرة لم ير مثلها من قبل، تهد كيانه كله، لكنه يخاف أن يتجاوب معها فيما تريد.

جاء أقارب لهم من الصعيد، زوجها يجلس معهم في حجرة الإستقبال نفس الحجرة التي يستذكر سعد فيها مع إبنها، قال سعد لها: سأذهب لمصافحتهم والجلوس معهم. دخل الحجرة، صافح الضيوف، وجلس في مقعد فوتيه في مواجهة الباب، فوقفت هي ملتصفة بالحائط تتابعه بوله ورغبة، وعيناها تطارده، لا يراها أحد سواه في جلسته هذه. حسد سعد، جلال عيسى لأن نادية لطفي أحبته كل هذا الحب، لقد مثل جلال عيسى مع نجمات السينما الكبار: مع ماجدة في فيلم المراهقات ومع شادية في فيلم أغلى من حياتي ومع فاتن حمامة في فيلم الإعتراف، وها هو يمثل مع جميلة جميلات السينما نادية لطفي في فيلم حب لا أنساه. لكنه – رغم هذا كله – لم يستمر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top