الشاعر السيد فتحي له دور كبير في منح قصيدة النثر مكانة قوية في الأدب العربي الحديث، مما فتح المجال لأجيال جديدة من الشعراء لتجربة هذا الشكل الشعري دون تردد. كما ساهمت أعماله في خلق حوار نقدي حول شرعية قصيدة النثر في مواجهة الشعر التقليدي، مما أغنى الحركة الأدبية بشكل عام.
الأعمى صائد ذئاب الفراغ
ان نصوص الشاعر السيد فتحي تنتمي إلى مدرسة تجديدية في قصيدة النثر، تمتزج فيها اللغة بالتجربة الشعورية العميقة، ويظهر فيه ميل واضح إلى التعبير الوجودي والميتافيزيقي، مع حساسية شديدة تجاه التفاصيل اليومية والكونية. وتتسم هذه النصوص بعدة سمات جوهرية:
1. السردية المتداخلة بالأبعاد المجازية:
نصوص السيد فتحي تمضي في خط متشظٍّ ومتداخل بين العوالم الواقعية والتخييلية، حيث نرى صورًا تتنقل بين الطبيعة (الأشجار والريح)، والوجود الإنساني (الجوع الجنسي، العواطف الضوئية)، والرموز الميثولوجية (حروب طروادة، عوالم الجن). كل ذلك يخلق سردًا يبدو وكأنه حلم، لكنه مدجج بالوعي.
2. اللغة المكثفة والتعبير المجازي:
اللغة عند السيد فتحي تتسم بالكثافة والتشابك. نجد تعبيرات مثل “تماسيح الجن العمياء”، و”أسئلة الفوضى التي تكسر شفرات أنوثة العطر”، وهي صور تتجاوز الوصف التقليدي لتفتح آفاقًا جديدة أمام القارئ، مليئة بالتأويلات والإيحاءات.
3. البُعد الفلسفي والتجريدي:
البعد الفلسفي والتجريدي موجود في كل نصوص السيد فتحي فمثلا المقطع الذي يقول فيه “أنا الرجل الذي حمل ماء الشعر من عاديته،مجانيته،وسكونيته إلى مرحلة الغليان في براكين المجاز،ومجرات أخرى”، يؤكد السيد فتحي على رؤيته للشعر كفعل كوني يتجاوز السطحية ليصل إلى جوهر الوجود. هناك استبطان عميق لفعل الكتابة ووعي صدامي تجاه المألوف.
4. حضور الذات الإنسانية في مواجهة العالم:
نصوص السيد فتحي تحمل مزيجًا بين الانغماس في العالم والتمرد عليه. نجد الذات متورطة في الألم (“يوجعني نزيف صمتي”) لكنها تعود لتنهض بفعل الكتابة، لتصبح الكتابة ذاتها شكلاً من أشكال المقاومة والاحتجاج على القبح والسكونية.
5. القضية الفلسطينية:
الحضور القوي لغزة كرمز مقاوم يظهر في عبارات مكثفة تمزج بين الحزن والقوة. النصوص التي تتناول غزة تنبض بالحب والحنين والغضب، كأنها “قناديل الله المعلقة بسماء روحي”، مما يمنح النصوص بعدًا سياسيًا وإنسانيًا عميقًا.
6. نقد الكتابة والاستهلاك الإبداعي:
المقطع الذي يتحدث فيه عن الشاعر الذي يقول فيه “الشاعر الذي يكتب بالشوكة والسكين هو شاعر فاشل بالضرورة
والأشدُ فشلا الذي يكتب ليعجب القاريء، ويفصل شعره على هواه ومقاس عقله ومشاعره
الكتابة لاتأتي بسهولة دخولك التواليت” يعكس نقدًا حادًا لمنهجية الكتابة المستهلكة والمبسطة التي تهدف لإرضاء القارئ. السيد فتحي يضع الكتابة في موضع أشبه بالمعركة أو التحدي الوجودي، حيث الجهد والألم هما الطريق للإبداع الحقيقي.
الخلاصة:
إن نصوص الشاعر السيد فتحي تمثل نموذجًا متفردًا لقصيدة النثر الحديثة التي تتحدى القارئ وتأخذه في رحلة متعددة الأبعاد. هي نصوص تفيض بالألم والاحتجاج، لكنه يخلق من الفوضى جمالًا يتخطى القوالب الجاهزة. يبدو كأن السيد فتحي يريد للقصيدة أن تكون قنبلة روحية، لا مجرد كلمات تُقرأ.
وكما فعل الشاعر الألماني الكبير فريدريش هولدرلين في قصيدة ( خبز ونبيذ) فهي ليست فقط تعبيرًا عن رؤية هولدرلين للحياة، بل أصبحت رمزًا للتأمل الفلسفي والشعري في ألمانيا. ألهمت أجيالًا من الكتاب والفلاسفة، خاصة أولئك الذين تأثروا بالرومانسية الألمانية، مثل هايدغر، الذي ألقى محاضرات عن هولدرلين واعتبر شعره بوابة لفهم الوجود.
فسيكون السيد فتحي ملهما للأجيال القادمة ليفكروا كثيرا في الصراع الوجودي والميتافيزيقي وكيفية تحويل القبح إلى جمال.
محمد الديب يكتب: الشاعر السيد فتحي له دور كبير في منح قصيدة النثر مكانة قوية

التعليقات